روائع مختارة | روضة الدعاة | أدب وثقافة وإبداع | لعبة الجيران..

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > أدب وثقافة وإبداع > لعبة الجيران..


  لعبة الجيران..
     عدد مرات المشاهدة: 4105        عدد مرات الإرسال: 0

كانت التحضيرات لتلك اللعبة تبدأ قبل يوم كامل على الأقل من ساعة الصفر، فقد كنت في السابعة من عمري وأختي التي تكبرني بعام واحد، وخالتي التي تكبرها بعام أيضا نحتفظ بطقوس خاصة للعبتنا المفضلة، والتي كنا نسميها لعبة الجيران.

فقد كان يتمُّ تقسيم الغرفة الخاصة بنا إلى ثلاثة منازلَ مستقلة، وإلى سوق للخضروات والمأكولات والملابس، وإلى أماكن للعمل الذي سنكون موظفات فيه، وقبل موعد اللعبة بيوم كامل كنا نقطّع الورق الأبيض إلى قطع متساوية، ونكتب عليها أرقاما تماثل نقود الكبار، ومن ثم نودعها المصرف الذي سنأخذ منه أجرنا بعد العمل، ونقوم بترتيب المكعبات والألعاب الصغيرة الحجم على طاولة الدراسة، ونكتب على كل مجموعة منها اسم الصنف الذي يشبهها، فيتوفر لدينا الكثير من الأنواع المختلفة من اللحوم والخضراوات والمواد التي تلزم البيوت جميعا.

وكانت الخزائن تُفرغ من الملابس على آخرها وتكوم الملابس على الكراسي إستعدادا لرحلات التسوق التي سنقوم بها.

ولم نكن ننسى أبدا أن نقطع أوراقا بحجم صغير للغاية ونتركها في طبق عميق مع القليل من الماء ونقص أوراقا بشكل مربعات لتكون لنا كما ورق العنب والأوراق الصغيرة المنقوعة بالماء هي الحشو المعدّ لها.

و كنا نستيقظ قبل الفجر لنبدأ تلك الّلعبة الممتعة، ونمارس فيها حياتنا كما الكبار، فنستيقظ لنُنَظف ونُرتبّ بيوتنا الصغيرة جدا، ونشربُ قهوةَ الصباح، ونقوم بعدها بتبديل ملابس ألعابِنا أو أولادِنا الصغار كما نتخيّلهم ونوصِلهم للروضة ونحن نحمل حقائب تحتوي على فوط إخوتنا الصغار وأشيائهم الأخرى كالبودرة وزجاجات الرضاعة والملابس المتنوعة، ونتوجه بعدها نحو أعمالنا لنضع نظاراتنا الشمسية الصغيرة على عيوننا كما يفعلون، وبالكاد كنا نرى ما نقوم به من أعمال كتوقيع الكثير من الأوراق بمتعة لا توصف وكما يفعل المُدراء في المسلسلات التلفزيونية تماما، وقد كنا نحتفِظ بتلك الأوراق خصّيصا لتحمِل تواقيعنا المحترمة، ومن ثم لا نعلم من الذي يقرر نهاية الدوام، فنخرج لنتسلَّم رواتبنا من المصرف، ونقوم بالتسوق في طريق عودتنا فنشتري ما لذّ وطاب من المأكولات والأغراض التي نحتاجها، ونأتي بالأولاد للمنزل، ونحضِّر طعام الغداء المكون من بعض المكعبات التي تجمعها أطباقنا الصغيرة الملونة، ثم نذهب بالألعاب إلى القيلولة حيث يمكننا وقتها غسل الملابس ونشرها على الحبال التي نشَكّلها من أحزمة ثيابنا ونربطها بأبواب الخزائن ومن ثم نكويها بما نتخيله مكواة كهربائية، ونغسل أطباقنا الحلوة دون تذمر.

وقد نقوم بزياراتٍ بعد العصر -حسب توقيتنا طبعا- لبيوت بعضنا، وتعد من أجل الزيارة صاحبة البيت طعام الضيافة والقهوة، ومن ثم نعود في المساء لنقوم بشُغل الصوف أو لف ورق العنب أمام التلفاز ونحن نتناول المكسرات ونشرب العصير من كؤوس لا تتجاوز عقلة الإصبع وكانت الأمور تجري بإنسيابية وروعة ولم نكن نشعر بالوقت حتى تبدأ والدتي بطلب أدوات المطبخ التي إفتقدتها، والتي تحتاجها لإعداد وجبة الفطور وكنا نشعر وقتها أننا فقدنا خصوصيتنا، وأن هناك من إقتحم علينا عالمنا السحري، فكنا نبدأ بإرجاع الأشياء إلى مكانها بتثاقل شديد وقد إنتهى وقت لا يقدّر بثمن.

المصدر: موقع الأديبة عبير النحاس.